اليوم الاخباري
  • اليوم الاخباري
  • اليوم الاخباري
  • اليوم الاخباري

رئيس مجلس الإدارة أ عبد الباسط صابر

صاحب الامتياز د. محمد الصريدي

المدير العام أ محمود الكيلاني

الفنون

الفن سبق الواقع بقصة الحاجة سمرة في حادث قطار سوهاج

اليوم الاخباري

اختلف الفلاسفة والمنظرون لنظريات الفن، على هل الفن مستوحى من الواقع أم سابق له ومتنبأ به، أم إبداع خالص مرتبط بالفنان ذاته؟ وغيرها من الآراء المختلفة على مدار قرون من الزمان، لكن ما نلمسه بأنفسنا يجعلنا نشعر بالتصاق الفنون بواقعنا بصورة كبيرة.

منذ أن وقع حادث قطار "157" في محافظة سوهاج، وبدأ الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي نشر صور ومشاهد من فيلم "ساعة ونص"، والمقارنة بين الواقعة والعمل الفني، وكم التشابه بينهما، خاصة بعد ظهور قصة "الحاجة سمرة"، التي طردها ابنها، فقررت اللحاق بالقطر لكي تعيش في جوار مسجد السيدة نفسية بالقاهرة.

• كريمة مختار والحاجة سمرة

تداول نشطاء عبر منصات التواصل الاجتماعي صورا للفنانة الراحلة كريمة مختار، من مشاهدها في فيلم "ساعة ونص"، للمؤلف أحمد عبدالله والمخرج وائل إحسان، إلى جوار صور سيدة أخرى، تدعى "سمرة"، تناقلت قصتها وسائل الإعلام المحلية، حيث قررت استقلال القطار المتجه إلى القاهرة، من محطة نجع حمادي، لكي تتجه إلى مسجد السيدة زينب، لتستقر هناك مؤقتًا، حتى تجد مسكنا تقيم فيه، بعد أن طردها ابنها من المنزل.

وتعد مشاهد كريمة مختار من أبرز المقاطع المتداولة في الفيلم، عندما يخبرها البائع المتجول، الذي جسد دوره إياد نصار، أن الورقة التي تحملها، كُتب فيها "من يجد هذه السيدة عليه أن يضعها في دار مسنين"، وحاول البائع إخفاء الأمر عليها في البداية، لكنه لم يستطع، وانهالت الدموع من عينيه، وما كان من الأم إلا أن قالت: "يقطعني عشان قولتله دوا السكر خلص"، كما يتردد في الآذان صوتها في آخر مشاهد الفيلم وهي تقول: "احمينا يارب".

تدور أحداث الفيلم حول مجموعة من القصص المتفرقة، لشخصيات غلبها الفقر والظلم والانكسار وقلة الحيلة يتجمعون في القطار، وبسبب سرقة حديد المزلقانات من قبل لصوص، يخرج القطار عن مساره ويتوفى السائق.

منذ النشأة الأولى للسينما وحتى الوقت الحاضر، وهي كانت ولا زالت ملتصقة بالواقع بكل عناصره تتأثر به وتؤثر فيه، فالسينما -تبعا للدراسات وعلم النفس- هي من أهم المنجزات العصرية تأثيرا في البشرية؛ نظرا لكونها تعتمد على كل العناصر اللازمة للتأثير في المتلقين/ المشاهدين، وتأثر السينما بالواقع يظهر في أماكن التصوير، وفي اللغة والطريقة التي يتحدث بها الممثلون، كما يظهر أيضا في طبيعة المواضيع المطروحة، بحسب ما جاء في كتاب "التمثيل السينمائي"، لماري إلين أوبراين.

بدأ اختراع السينما بوصفها محطة جديدة في محاولات الفن للاقتراب من الواقع، من خلال التقاطه في صورة، تلك المحاولات التي توالت على مدار القرن الـ19، فظهرت في الفن التشكيلي في مدرسته الواقعية في فرنسا وبريطانيا، وفي الأدب في مفهوم "المحاكاة"، مثلما تجلى في المذهبين الواقعي والطبيعي، لدى "بلزاك" و"زولا" وغيرهما، لقد شكل التطور الصناعي لأجهزة الإبصار واختراع التصوير الفوتوغرافي امتدادًا لتلك الرغبة التي اجتاحت القرن الـ19، وظهر في هوس إعادة إنتاج الواقع من خلال وسائط بصرية مختلفة.

وجاءت السينما في 1895، لتضيف للصورة الفوتوغرافية الحركةَ ومن بعد ذلك الصوت، كي تصبح السينما الأداةَ الأكثر قدرةً على تسجيل الواقع ومن ثم الأكثر استخدامًا لتوثيق الأحداث المرشحة لتصبح تاريخًا، بحسب ما جاء في ترجمة سلمى مبارك، أستاذ الأدب والفنون بكلية الآداب، للمقال الفرنسي "السينما والتاريخ: إعادة بناء الزمن".

• بين النص والواقع.. موت أحد الركاب

لم تكن هذه أول مرة يستخدم فيها مقاطع من أفلام أو نصوص أدبية، لإحداث مقارنات بينها وبين الواقع، ففي حادث قطار 934، حيث استقل شابان مصريان القطار، ووقعت بينهما وبين عامل التذاكر -كمسري- مشاجرة أودت بسقوط أحدهما من القطار ومقتله تحت عجلاته، والآخر فقد قدمه، استدعى العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقتطفات من النص المسرحي "مسافر ليل" لصلاح عبدالصبور، ما يتشابه مع الواقعة.

وأشارت تحقيقات النيابة، وفق شهود العيان، إلى أن عامل التذاكر أصرّ على دفع تذكرة ثمنها 70 جنيها، وعندما أخبراه الشابان أنهما لا يمتلكان أموالا، فأجبرهما العامل على النزول من القطار أثناء حركته.

الضحيتان هما من الباعة المتجوّلين، كما أكدّت الهيئة القومية لسكك حديد مصر، أحدهما "محمّد عيد" توفيّ إثر سقوطه تحت القطار، وقال تقرير الطب الشرعي إن رأسه فصلت عن جسده تماما، بينما أصيب رفيقه الذي يبدو أنه تمكن من القفز بعيدا عن القطار.

من خلال النص، يقوم صلاح عبدالصبور بالسفر داخل التاريخ، من خلال استحضار نماذج الاستبداد والقهر وتجسيدها في صورة عامل التذاكر، فهو تجسيد للظلم بشتى صوره، معنوي وجسدي، ويمكن رؤية الراكب في صورتين، فهو راكب فقير تظهر على ملابسه البساطة الشديدة من خلال وصف الكاتب له، والأخرى هو الإنسان المقهور من الظلم، وينتهي النص بمقتل الراكب على يد "الكمسري".

يذكر "بيير زيما" في كتابه "النقد الاجتماعي نحو علم اجتماع للنص الأدبي"، أن الفن الدرامي له طابع رمزي، فأحداثه واقعية، لكنها في الوقت نفسه تختلف عنها بوصفها لا تغير من الوضع الاجتماعي، إنها تصوره على المستوى الرمزي بإظهار مشاكله وتناقضاته، ويعتبر "ديفينيو" أن الدراما نوعا من الميزان الثقافي، الذي يسجل أزمة القيم والمعايير لعصر معين.

وفرضت العلاقة بين الأدب تحديدا -الفن عموما- والواقع ذاتها بقوة على الفكر الجمالي الحديث، وخاصة لدى الفيلسوف الألماني الكبير "هيجل"، الذي اعتبر الفن التجلي المحسوس للفكرة أو الروح، وهذا يعني أن الفن (بما في ذلك الأدب) هو تجسد واقعي للفكر أو الوعي، أي للروح الكلي الذي يسري في الوجود.

إن الفن عند أتباع مدرسة فرانكفورت النقدية، ليس مجرد انعكاس لمجمل علاقات الإنتاج في المجتمع، أو تمثيل لمصالح طبقية، لكنه وظيفة سياسية واجتماعية من خلال قدرته على الثورة والتمرد الاجتماعي عبر الشكل الجمالي الذي يتبدى في الحركات الفنية.

يجتمع كل من فيلم "ساعة ونص" و"مسافر ليل"، رغم اختلاف نوعهما الفني، في أن كلاهما إنتاج إبداعي لاحق لأحداث فارقة في تاريخ مصر، النص المسرحي كتب عام 1969، أي بعد عامين من هزيمة يونيو 67، أما الفيلم السينمائي تم إنتاجه عام 2012، بعد قيام ثورة 25 يناير 2011.

الحاجة سمرة ساعة ونص الصريدي حادث سوهاج
  • iTradeAuto
  • iTradeAuto
  • iTradeAuto
  • iTradeAuto
  • iTradeAuto