البيرة.. عرفها المصريون القدماء باسم «حنقت» عام 4000 ق.م واستخدموها للعلاج


أثار الاكتشاف الأثري الأخير، الذي قامت به البعثة الأثرية المصرية الأمريكية المشتركة في شمال أبيدوس بسوهاج، والخاص بالكشف عما يُعتقد أنه "أقدم مصنع للبيرة في العالم"، العديد من التساؤلات حول "البيرة الفرعونية".
وفي هذا السياق، قال مدير متحف الآثار مكتبة الإسكندرية، الدكتور حسين عبدالبصير، إن البيرة التي كانت تعرف بـ"الجعة"، يعود تاريخها منذ عصر الدولة القديمة سنة 4 آلاف قبل الميلاد، وتعتبر أول مشروب رسمي لدى القدماء المصريين.
وأضاف عبدالبصير، لـ"الشروق"، أن البيرة عرفت في اللغة المصرية القديمة باسم "حِنقِت"، وكان يتم صنعها من الحبوب، وفي مقدمتها الشعير والحنطة والقمح، وتُحلى بعصير البلح أحيانا.
وأوضح أن الجعة كانت متاحة للجميع، سواء فقراء أو أغنياء في العصور القديمة، لافتا إلى أنها كانت تستخدم كمكون رئيسي للعلاج.
وأشار إلى أن هناك فرق كبير بين الخمر والبيرة، حيث إن الخمر يتم صنعه من خلال خبز الشعير النصف ناضج، ويخلط في منقوع الشعير، ثم يترك لينضج، وبعدها يصفى من المواد الصلبة ويترك ليتخمر، بينما البيرة وعرفت بـ"نبيذ العنب"، حيث كان يجمع العنب ويوضع في حوض يسع 6 أفراد، ويتم دهسه بالأقدام، ويخرج العصير السائل من ماسورة فخارية، وكان يقتصر تناولها فقط على النبلاء ووجهاء القوم.
وأوضح أن الجعة قديما كانت أقرب إلى المشروب المصري الشعبى الحالى المسمى "البوظة"، الذي ينتج من مكونات مشابهة وبالطريقة نفسها غالبا، مضيفا أنها قديما كان لها قيمة غذائية كبيرة، وكان المصريون القدماء يتناولونها يوميا، لكن لم تكن بدافع السكر، فلم تكن تحتوي على أي مواد مخدرة، ثم تطورت صناعة الجعة إلى أن تطورت في عصر الدولة الحديثة سنة 2000 ق.م، وعرفت بـ"نبيذ العنب".
وأشار إلى أن البيرة كانت من بين القرابين التي تقدم للآلهة في المعابد، وتوضع بين عناصر موائد الموتى كطعام في العالم الآخر، وكمكافأة على العمل الجيد وكهدايا، إضافة إلى أنها كانت تقدم مع الخبز كأجرة للعمال الذين يشيدون المقابر، بل ومن شيدوا الأهرامات قبل ظهور النقود، وكان المصريون القدماء يشربونها في الاحتفالات والتجمعات الدينية والجنائزية.
وتابع أن من بين أهم المواقع التي عثروا فيها على بقايا أواني البيرة، هي "أبيدوس" في سوهاج، و"هيراكونبوليس" في أسوان، بينما أهم المقابر التي جاءت منها إشارات للبيرة تمثال في مقبرة ني كاو حتحور، ومناظر مقابر مر إس عنخ الثالثة، وسشم نفر الرابع في الجيزة، وبتاح شبسس في أبوصير، وتي، ورع شبسس في سقارة، وفي بعض مقابر الدولة الوسطى، وفي مناظر مقبرة قن آمون بالأقصر من الدولة الحديثة، وفي بعض النماذج الخشبية مثل النموذج الذي يجسد مناظر صناعة البيرة والخبز من مقبرة مكت رع من طيبة من الأسرة الحادية عشر، والموجود حاليًا في متحف المتروبوليتان.
وأكد أن البيرة ظلت تتوارث صناعتها على مر العصور إلى يومنا هذا، ونقلت من خلال ورقات البردي وكتابات المؤرخين وبعض المشاهد من الحياة اليومية على جدران مقابر النبلاء في الدولة القديمة مثل «بتاح حتب، وكاجمني، ومري روكا سقارة».
وعن الحضارات التي كانت تشتهر بصناعة البيرة، قال إن مصر القديمة كانت تشتهر بها، بينما الخمرة كان يشتهر بها جميع حضارات الشرق الأدني القديم مثل «الروماني القديم، واليوناني القديم، العراق، مصر»، لافتا إلى أنه عرفت 4 أنواع من النبيذ، و5 من البيرة، التي كانت تعرف باسم "هاكت" في عصر الفراعنة.
وقال محمود عبدالفتاح، الباحث في التاريخ القديم، إن صناعة البيرة استمرت إلى يومنا، هذا حيث يعتبر إرثا على مر العصور، وتنقلت من خلال ورقات البردي وكتابات المؤرخين وبعض المشاهد من الحياة اليومية على جدران مقابر النبلاء في الدولة القديمة مثل "بتاح حتب، وكاجمني، ومري روكا سقارة"، وغيرها التي تحدثنا بأدق تفاصيل الحياة.
وأكد أن البيرة يعود تاريخها إلى القدماء المصريين، فهم الذين صنعوها وتنقلت عبر العصور، لكن البيرة لم تكن بها أي مواد "مخدرة" أيام القدماء المصريين، وكانت تستخدم للعلاج.