مكافأة مالية كبيرة مقابل رأس رئيس فنزويلا
????????????خمسون مليون دولار هي قيمة المكافأة الأميركية ????الموضوعة على رأس زعيم فنزويلا نيكولاس مادورو..وثمانية هو عدد السفن الحربية الأميركية المتمركزة قبالة السواحل الفنزويلية..وخمسة آلاف هو عدد الجنود الأميركيين المتمركزين فوق أكبر حاملة طائرات في العالم وهي ‘‘جيرالد فورد‘‘ والتي تشارك لأول مرة في مهمة تطويق فنزويلا..ف هل يستعد ترامب فعلًا لغزو جارته اللاتينية؟..ومن رحم السؤال يولد آخر لا يقل أهمية..كيف تحولّت فنزويلا من دولة تفوق في ثرواتها السعودية والعراق والكويت مجتمعين، لدولة لا يجد شعبها أعواد الكبريت؟..هذا سرد طويل عن فنزويلا وأميركا..عن ترامب ومادورو..وعن حرب قد تغيّر وجه العالم مرة واحدة وللأبد.
????قبل يومين نشرت وكالة رويترز تسريبًا بصريًا يشير إلى قيام الولايات المتحدة بإعادة افتتاح وتحديث قاعدة عسكرية أميركية مهجورة في بويرتريكو..كانت القاعدة تُدعى روزفلت رودز وأغلقت لعدم الجدوى عام 2004، لكن الآن يكتشف ترامب أهميتها، فتشيد فيها الطرقات ومدارج الإقلاع ويعاد بناء مهاجع الطائرات..قد يبدو الأمر للوهلة الأولى مجرد إعادة تنشيط لممتلكات أميركية مهجورة، لكن هذا التقدير الطيّب يسقط عندما نعرف أن المسافة بين روزفلت رودز وفنزويلا هو 500 ميل بحري فقط..لم تتحرك الولايات المتحدة بتلك الكثافة في منطقة الكاريبي منذ العام 1994 حينما أرسلت حاملتي طائرات وأكثر من 20 ألف جندي إلى ‘‘هايتي‘‘ من أجل تنفيذ عملية شهيرة سُميت ب Operation Uphold Democracy..وفيها قام الرئيس بيل كلينتون بإزاحة الجنرال الهايتي ‘‘راؤل سيدراس‘‘ من السلطة وأعاد تنصيب حليف أميركا ‘‘جان برتراند أرتسيد‘‘ رئيسًا لهايتي..خسرت واشنطن في العملية جنديًا واحدًا فقط..نصر لا غبار عليه..صحيح..هل تعلم الدولة الوحيدة في العالم التي تعيش الآن من دون رئيس جمهورية؟..هايتي التي لا يوجد فيها رئيس جمهورية منذ تصفية الرئيس جوفينيل مويس عام 2021..هل تعرف من هي أفقر دولة في أميركا اللاتينية والكاريبي ومن أفقر عشر دول في العالم؟..نعم..هايتي..وهل تعرف اسم البلد الوحيد الذي تولّى السلطة فيه رجل كان يؤمن بالسحر الأسود لدرجة أنه ألغى التعليم والصحة لمدة تقارب خمسة عشر عامًا؟..نعم..البلد هو هايتي بالطبع، والرئيس المؤمن بالسحر كان يُدعى ‘‘جان كلود دوفالييه‘‘..ولا أحتاج أن أخبرك أنه كان صديقًا للولايات المتحدة..لا داعي أن أخبرك أن هايتي هي حالة معيارية نموذجية عن كيفية قيام الولايات المتحدة بتدمير دول أميركا الوسطى والكاريبي عبر التدخلات العسكرية وتنصيب موالين لها في السلطة..ولا أحتاج كذلك أن أخبرك أن كل تلك التدخلات الشريرة كانت تتخّذ دومًا وصفًا واحدًا..نشر الديمقراطية..بالأمس البعيد كانت هايتي، واليوم فنزويلا..لكن السؤال الأهم هو..لماذا فنزويلا؟..ولماذا الآن؟..
????سوف أحكي لك القصة كاملةً..عام 1908 اكتُشف النفط في فنزويلا..كان إنتاجًا باهتًا لا يتجاوز مليون برميل سنويًا..ولم تلتفت إليه شركة كبرى حتى عام 1921، حين عثرت شركة شل البريطانية -الهولندية على الكنز..وأي كنز كان..حوض ماراكيبو والذي رفع إنتاج فنزويلا من مليون إلى 137 مليون برميل بترول سنويًا..زيادة مذهلة وضعت كاراكاس في المركز الثاني على سلم إنتاج النفط في العالم بعد الولايات المتحدة..غنيمة كبرى سرعان ما تكالبت عليها كبريات الشركات الأمريكية ونجحت شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا في الاستحواذ حتى منتصف الستينات على نصف الإنتاج الفنزويلي من النفط، بالمناسبة هي ذاتها الشركة الأميركية التي اكتشفت النفط في العربية السعودية..وللمصادفة فإن الدولتين سينفذان أكبر انقلاب نفطي في التاريخ على حساب أميركا..في نهاية الخمسينات قامت السعودية وفنزويلا بخطوة تحررية من الهيمنة الأميركية..كانت الشركات الأميركية تسيطر على إنتاج النفط كاملًا وتستحوذ على 80% من أرباحه، ولا يتبقّى سوى الفتات للدولة المنتجة..تطلّب الأمر شخصين..عبد الله الطريقي وزير النفط السعودي ذو الميول الاشتراكية والمقرب من جمال عبد الناصر، وكارلوس بيريز من فنزويلا..كلاهما نجح في تأسيس منظمة أوبك الشهيرة في فيينا وتقليص أرباح الشركات الأميركية المستكشفة للنفط إلى 50% مع فرض ضريبة وطنية على أرباحها..نجاح مذهل بلا شك..سوف يصعد بالشركة الوطنية الفنزويلية لإنتاج النفط لتصبح الأكبر في العالم منذ بداية السبعينات..
????عبد الله الطريقي أزيح من السلطة في السعودية ضمن ما قاده الملك فيصل من حملة تطهيرية بحق العناصر المشتبه في ولائها لمصر، أو ما عُرف في حينه باسم الأمراء الحُمر..وقضى عمره منفيًا في مصر حتى أواخر التسعينات..وعلى العكس..كانت فنزويلا أكثر استقرارًا من الناحية السياسية..كارلوس بيريز بطل أوبك سوف يصبح رئيسًا للجمهورية بل وأمم 60% من صناعة النفط الفنزويلي..المتأمل للحال وقتها لن يتردّد في التفاؤل بمستقبل فنزويلا والتشاؤم في الحالة السعودية..لكن الكارثة التالية سوف تثبت العكس..نتيجة لازدياد معروض النفط بفعل التدفقات الجديدة القادمة من بحر الشمال وتحديدًا النرويج، وإفريقيا جنوب الصحراء وبالأخص نيجيريا وأنجولا والجابون..انخفضت أسعار النفط بصورة مذهلة من 35 $ للبرميل عام 1981 حتى سجّلت 14 $ للبرميل عام 1986..انهار الاقتصاد الفنزويلي بصورة بشعة، وانخفض نصيب الفرد من الناتج القومي من 4500$ إلى 3100 $ في خمس سنوات فقط..وعجزت الدولة عن دفع الأجور وبدأت تفكّر في بيع المزيد من تراخيص اكتشاف النفط والتخلي عن الاحتكار الوطني لإنتاجه..تسأل هنا..لماذ تمكّنت السعودية من النجاة وسقطت فنزويلا؟..الإدخار يا عزيزي..السعودية لم تأمن لموجة صعود النفط فأنشأت صندوق الاستثمارات العامة، وهو الصندوق السيادي للمملكة عام 1971، بينما استمرت فنزويلا في الإنفاق بلا رشادة من عوائد البترول، فلمّا جاءت أزمة انخفاض الأسعار استطاعت السعودية تحمل تبعاتها..فيما أقدمت فنزويلا على خطوة سوف تغير من مسار تاريخها..
????بيع يا عوّاد..هو الاصطلاح الأقرب لتوصيف ردة الفعل الفنزويلية..في ذلك الزمن وتحديدًا الثمانينات والتسعينات..أطلقت أميركا وبريطانيا النسخة الجديدة من الليبرالية..الليبرالية الجديدة والتي تقوم على حصر وظائف الدولة في ثلاث قطاعات..الدفاع والأمن والسياسة الخارجية..وإخراجها من السوق ومن مجال تقديم الخدمات العامة في الصحة والتعليم..دولة الحد الأدنى The Minimal State كانت النظرية المنشودة لكل من رونالد ريجان ومارجريت تاتشر..وجاري الآن البحث عن حالة للتطبيق..فنزويلا بلا شك..اندفع الرئيس كارلوس بيريز للاقتراض من صندوق النقد الدولي، الذي كان الأداة المثالية لأميركا وبريطانيا لتطبيق النظرية الجديدة..القروض مقابلها شروط..والشروط باختصار هي بيع المرافق العامة، رفع سعر المشتقات البترولية 100%، وتقليص الإنفاق العام بنسبة تصل ل 80%..والنتيجة شعب ثائر ومظاهرات وحصيلة من 300 ضحية في شوارع العاصمة كاراكاس في فبراير عام 1989..أصبحت فنزويلا دولة قمعية، والأهم أصبحت من جديد مستعمرة أميركية نفطية..نسيت أن أخبرك أن أحد شروط إقراض الصندوق لفنزويلا كان عودة الشركات النفطية الأميركية بكثافة للسوق الفنزويلية لتصبح هي المنتج والمصدر الأول بدلًا من الشركة الوطنية للنفط..واستعادت الولايات المتحدة غنيمتها اللاتينية الأضخم..نفط فنزويلا..لكن أميركا لم تحسب أبدًا حساب المستقبل..
????من قلب المأساة الفنزويلية سوف يولد رجل يُقال له..هوجو تشافيز..وفي العام 1998 سوف يتمكّن من الفوز بانتخابات الرئاسة بنسبة 52%..كيف استهل فترته الأولى؟..49 قانون جديد أشهرهم قانون الكربوهيدرات لعام 2001..وبموجبه رفع تشافيز الضرائب على الشركات الأجنبية بنسبة 80%..وانقلبت الولايات المتحدة على الرجل ذو الميول اليسارية..كانت ضربة تشافيز قاصمة للحلم الأميركي في فنزويلا، وفوق ذلك تغنّى الرجل بشعارات التضامن الأممي مع المقهورين في العراق وأراضينا المحتلّة، تحالف مع فيديل كاسترو وموّل بنفطه صمود الساندستيين في نيكاراجوا..امتلك تشافيز النفط..ليس هذا هو الخبر السيء فحسب..بل أنه استغل عوائده في تحدّي الهيمنة الأميركية في القارة..وهذا تحديدًا ما دفع الولايات المتحدة لحدث سوف يهز العالم في عام 2002..عندما تولّى تشافيز السلطة كان يحكم كل شيء..إلا الإعلام..كانت المحطات التلفزيونية الأربعة الكبرى وهي ‘‘ فيني فيجن، راديو كاراكاس، جلوبوفيجن، وتيلفين‘‘ فضلًا عن أكبر 9 منصات صحافية مملوكة بالكامل للمعارضة اليمينية..ومنها بدأ المخطط الأميركي..في العاشر من إبريل عام 2002 خرج أحد جنرالات الجيش الفنزويلي على الشاشات الأربع ليحفز الجماهير على الثورة..وفي غضون ساعات امتلأت الميادين..حتى وصلت للشركة الوطنية للنفط وحاصرتها..وللقصر الرئاسي وطوقّته..خرجت الامور بالكامل عن السيطرة..
????في اليوم التالي أصدر الجيش بيانه الذي يدعو تشافيز ووزراءه إلى الاستسلام، وإلا كان اللجوء إلى خيار تفجير القصر، وقبيل انتهاء المدة سلم تشافيز نفسه إلى قيادة الجيش، وفي ظهر اليوم التالي، كان "بدرو كارمونا تانجا" يقسم اليمين الدستورية رئيسًا جديدًا لفنزويلا..أقرّت سلطات الانقلاب الطوارئ، وحلّت كل الهيئات المحلية المنتخبة، وفرضت تعتيمًا كاملًا على ما يدور في الجهة المقابلة في معسكر أنصار تشافيز. لكن كل تلك الإجراءات لم تحل بين المناصرين لتشافيز والقصر الجمهوري، إذ تدفّق مئات آلاف من مؤيدي تشافيز لحصار ساسة وجنرالات الانقلاب في صباح الرابع عشر من أبريل، وإزاء تعاطف الحرس الرئاسي الذي ظلّ مواليًا لتشافيز، لم يجد الانقلابيون مفرًا من مغادرة قصر ميلافلوريس، وفي الأخير عاد تشافيز إلى سدة الحكم بعد 36 ساعة من الإطاحة به، لكنها لن تكون محاولة الانقلاب الأخيرة..بعد أسابيع قليلة..حرّضت واشنطن اتحاد العمال الفنزويلي علنًا على تعطيل العمل في قطاع الشحن البحري، وبالفعل نجحت عبر عملائها داخل المؤسسات الفنزويلية..وانهار فورًا إنتاج النفط الفنزويلي من 3 ملايين برميل يوميًا إلى حدود 100 ألف برميل فقط..ولولا تدخل الرئيس البرايزيلي لولا دا سيلفا بإرسال مئات الشحنات من النفط لسد العجز، لانهارت فنزويلا في غضون أسابيع..تعلّم هوجو تشافيز درسًا وأهمل آخر..أما الدرس الذي تعلّمه فهو وجوب تطهير كل مؤسسات الدولة من عملاء أميركا..وأما الدرس الذي أهمله..فسوف تدفع فنزويلا ثمنه غاليًا..
????فشلت أميركا للمرة الثانية في إخضاع فنزويلا..الأولى كانت بقروض صندوق النقد الدولي، والثانية بالانقلاب ضد تشافيز في 2002..لم تفشل فحسب بل تمكّن تشافيز من النجاة مستفيدًا من صعود أسعار النفط نتيجة لحربي أفغانستان والعراق ليرتفع الناتج القومي الإجمالي لفنزويلا من 90 مليار $ في بداية عهدة عام 1999 إلى 244 مليار $ عام 2006..فوائض عملاقة مكّنت تشافيز من تحقيق حلم جنّته الاشتراكية..أنشأ نصف مليون وحدة للإسكان الاجتماعي، وأعاد 600 ألف تلميذ إلى التعليم الأساسي عبر نظام المدارس الليلية، وارتفع الإنفاق على التعليم إلى حاجز 5% من الموازنة، فيما ارتفعت موازنة الصحة إلى حدود 7.5% وهو ما مكّن تشافيز من إنشاء برنامج هائل للرعاية الصحية المجانية عُرف باسم ‘‘ باريرو أدينترو‘‘..أما نسبة البطالة فقد انخفضت لرقم قياسي سجّل 6%، في حين ارتفع الحد الأدنى للأجور إلى حاجز 365 $ شهريًا..جنة اشتراكية حملت في طياتها بذور فنائها..الدرس الذي لم يتعلمه تشافيز من سلفه كارلوس لوبيز هو الإدخار..اعتاد على فكرة أن يربط الاقتصاد وانتعاشه بالبترول وأسعاره العالمية..ليس هذا فحسب بل أهمل كل القطاعات الإنتاجية الأخرى التي من شأنها إنقاذ فنزويلا في وقت انخفاض سعر النفط..على سبيل المثال تمتلك فنزويلا أكبر حقل لقصب السكر على وجه الأرض، وهو حقل ‘‘بيو تامايو‘‘ في مقاطعة ‘‘لارا‘‘..كان هذا الحقل وحده كافيًا لجعل فنزويلا من كبار مصدري السكر في العالم لأربعين عامُا..لكن تشافيز عيّن أكاديميًا تربويًا في مجلس إدارته لأنه فقط محسوب عليه، بدلًا من مهندس زراعي خبير..في غضون 3 سنوات..سوف تصبح فنزويلا بلد مستورد للسكّر..وقس على ذلك الكثير..
????تُوفي عدو أميركا اللدود..هوجو تشافيز عام 2013 بعد معاناة مع مرض السرطان..وترك فنزويلا في حال يبدو ظاهريًا ‘‘ممتاز‘‘..لكنه في الحقيقة أقرب ما يكون لحافة الانهيار..عندما تولّى الرئيس الحالي نيكولاس مادورو السلطة كان سعر برميل النفط يقارب 112 $ للبرميل وفي غضون ثلاث سنوات وتحديدًا عام 2016 انخفض سعر البرميل ليسجّل 38 $..انخفاض مهول أدى لشلل صناعة النفط الفنزويلية التي انهار انتاجها من 2.5 مليون برميل يوميًا إلى 960 ألف فقط..الولايات المتحدة كانت تراقب وفرضت حظرًا على تصدير المعدات اللازمة لاستخراج النفط..أصبحت فنزويلا تفتقد للكفاءة اللازمة للرجوع لسابق عهدها..ثمن إدمان النفط سيكون أشد فداحة..وصل التضخم إلى 146000 %..واضطرت فنزويلا للتضحية بثلثي احتياطي الذهب لتمويل العجز فبات لديها 150 طنًا فقط..وارتفعت الديون إلى 120 مليار $..وانهار القطاع الصحي وهاجر 10% من سكان فنزويلا من البلاد بعد سقوط 86% من الشعب الفنزويلي تحت خط الفقر..جلست أميركا تراقب المشهد في سرور بالغ..الآن وبقليل من العقوبات الأميركية وكثير من سوء التخطيط المحلي..الآن تسير فنزويلا في طريق اللاعودة..لا شك سوف ينهار حكم الرئيس نيكولاس مادورو والذي لا يتمتع بنفس شعبية تشافيز..وسوف يصعد اليمين الفنزويلي الموالي لواشنطن..وتستعيد أميركا السيطرة على أغنى بلاد العالم بالنفط..فنزويلا..وبالفعل وقع المحظور..
????في فجر يوم الثلاثاء الأخير من شهر إبريل لعام 2019 ظهر زعيم المعارضة الفنزويلية خوان جوايدو في قاعدة لاكرلوتا الجوية العسكرية في العاصمة كاركاس مصحوبًا بمساعده ليوبولدو لوبيز ومحاطًا بحشد من عشرات العسكريين. في التسجيل الذي استمر لثلاث دقائق أعلن جوايدو أن مهمة الجنود الذين سيخرجون إلى الشوارع هي حماية الدستور الفنزويلي، قبل أن يدعو السكان للتوجه إلى القاعدة والخروج إلى الشوارع لاستعادة الديمقراطية والحرية..انقسمت فنزويلا لشطرين..شعبين..مؤيدين لليمين ومؤيدين لليسار..مناصرين لجوايدو ومدافعين عن الرئيس مادورو..وكانت إدارة ترامب على يقين تام بأن النصر حليفها..لكن على عكس المتوقّع..سقط الانقلاب وتمكّن الرئيس مادورو من النجاة..كانت ضربة قاصمة لأميركا..سوف تليها ضربات أخرى..هل تعلم من هي أكبر مقرض لفنزويلا؟..الصين..كم تبلغ القروض خلال الفترة من 2008-2022؟..قرابة 70 مليار $..وفي المقابل استحوذت الصين على 90% من إنتاج النفط الفنزويلي، ليس هذا فحسب، بل تقوم شركات صينية خاصة مثل CCRC بالسيطرة على بحيرة ماركايبو وهي جنة النفط الفنزويلية والتي تحتوي احتياطات مؤكدة بعشرات مليارات البراميل..تتولى الصين باطن الأرض في حين تحتفظ روسيا بما فوقها..النفوذ العلني..حاولت موسكو تصميم تجربة دفاعية في فنزويلا تحاكي ما كانت عليه العظمة الروسية في كوبا في ستينات القرن الماضي..نتحدث هنا عن منظومات الدفاع الجوي باتشورا 2 إم، S-300VM..5000 صاروخ من طراز إيجلا-إس..صواريخ كي إتش 31 المضادة للسفن..منظومات صواريخ جو-جو آر 73، آر 77، وآر 37..وهذا ما لم تغفره واشنطن..عند تلك النقطة..أصبحت الأمور أكبر بكثير من نفط فنزويلا وغازها..فنزويلا باتت شوكة روسيةـصينية عصية في الخاصرة الأميركية..
????300 مليار برميل بترول هو الاحتياطي الفنزويلي المؤكّد من النفط..هذا يعني 82 سنة من الإنتاج المتواصل بسقف 10 ملايين برميل يوميًا..أو بالأدق يعني هذا أن فنزويلا تمتلك أكبر احتياطي نفط في العالم، أكبر من السعودية نفسها..ولهذا يسيل لعاب ترامب على ثروة لو وضعت واشنطن يدها عليها، لتدفقت مئات مليارات الدولارات للخزانة الأميركية بواسطة شركات النفط الكبرى..لكن ليس هذا هو الدافع فحسب..بل تقف فنزويلا على خط تماس المواجهة الأميركية-الصينية..تعلم واشنطن أن الحرب الكونية القادمة إن شبّت فستكون من قلب النزاع مع الصين سواء في تايوان أو بحر الصين الشرقي أو بحر الصين الجنوبي..ومن أجل ذلك صممت منذ خمسة عشر عامًا استراتيجية فعالة لحصار الصين بحرًا ولمحاولة تأخيرها صعودها الاقتصادي الهائل برًا..ولا يُمكن بحال تصور مواجهة أميركية-صينية في أعالي البحار في المحيط الهاديء، دون أن تؤمّن واشنطن حديقتها الخلفية تمامًا من بقايا أي نفوذ صيني..فنزويلا هنا اكتسبت أهمية أميركية مضاعفة..لم لا ورئيسها مادورو هو الذي يؤمن للصين سيطرة لم يسبق لها مثيل على موارد النفط في أغني دولة بالعالم به، ليس هذا فحسب بل تشكّل فنزويلا رأس حربة للتمدد الاقتصادي الصيني في باقي أميركا اللاتينية..في بوليفيا على سبيل المثال..تقيم جالية صينية من 700 شخص تشكل قوام المستثمرين والعمالة الصينية التي تنشط في عديد المجالات..منها مشروع بقيمة مليار $ لاستغلال الليثيوم في منطقة ‘‘سالا دو أويوني‘‘، ليس هذا فقط بل نجحت الصين في تدشين خط بحري للتجارة من شنجهاي لبوليفيا ويُدعى WSA5..وفي الإكوادور تحصّلت الحكومة على 3 مليار $ قروض صينية مقابل إتاحة الفرصة لشركات الطاقة الصينية للتنقيب عن البترول والنحاس في منطقة الأمازون..وغيرها من نقاط التمركز الصينية في أميركا اللاتينية والكاريبي والتي بنيت أصلًا على السردية الصينية في فنزويلا..ومن شأن إسقاط نظام مادورو بكل شبكات تحالفاته مع الصين أن يفتح الباب لتقليص النفوذ الصيني في أميركا اللاتينية والوسطى والكاريبي..وهذا هو مسعى واشنطن الأساسي..
????وتلك هي الحرب الدائرة في منطقة بعيدة عنّا لكنها وثيقة الصلة بنا..صراع على إعادة ترتيب أوراق السلطة والنفوذ في العالم بين الولايات المتحدة والصين..صراع هائل على الموارد وامتيازات شركات النفط الكبرى..والأهم إعادة تعريف الحق الوطني في التنمية..لا شك أن فنزويلا أخطأت بصورة فادحة في التعاطي مع ثروتها النفطية الهائلة، كان بمقدورها استغلال فترات الفوائض من أجل احتمال أوقات انخفاض سعر النفط..لكن لا شك كذلك أن الولايات المتحدة خلقت شروط موضوعية لإعاقة التقدم الفنزويلي..قروض صندوق النقد الدولي، الانقلابات العسكرية، والحصار الاقتصادي..ولولا تلك الثلاثية لعانت فنزويلا بصورة أقل، ولتمكنت من مغادرة أزماتها بخسائر يمكن احتواءها..وهذا هو بيت القصيد..إما استسلام واضح للولايات المتحدة وإتاحة كاملة لثرواتك المحلية ويمكنك هنا ضمان البقاء..أو التعرض لما تراه حاليًا..حصار بقرابة 15% من القوة البحرية الأميركية وضغط هائل على النظام السياسي ومكافأة بقيمة 50 مليون $ لتسليم الرئيس الوطني للاستخبارات الأميركية، وتكريم معارضة فنزويلية هي في الأصل عميلة لل CIA ومنحها جائزة نوبل للسلام وهي التي تطالب بغزو أميركي لبلادها..
????تلعب أميركا على أعصاب العالم..تأتي كل فعل من شأنه الإشارة لاحتمالية كبيرة لوقوع الحرب، وتتلاعب على لسان ترامب بالألفاظ لزيادة الضغوط النفسية في حرب الإعلام الهائلة التي تشنها واشنطن ضد فنزويلا..يخرج جانب من محللي السياسة الأميركية البارزين ليقولوا بأنه لا يُمكن لترامب شن حرب اعتمادًا على قانون ‘‘‘صلاحية الحرب لعام 1973‘‘ والذي يمنع الرئيس من شنّ عمل عسكري ضد دولة أخرى إلا بموافقة الكونجرس..ونعلم في الوقت نفسه أن هذا القانون فاقد القيمة..وأن أميركا تدخلّت في كوسوفو بين عامي 97-99 دون موافقة تشريعية، وشنّت هجماتها على ليبيا عام 2011 دون ترخيص من الكونجرس..وفي حال ما وقعت الحرب كما ينتظرها كثيرون..ستكون تلك ضربة قاصمة لكل محاولات التحرر الوطني من السيطرة الأميركية، وستصبح فنزويلا عبرة لمن يخلفها من القوى الناشئة..هذا عصر الانتقام الأميركي الأكثر بشاعة..انتقام من الانتقال الهائل لمراكز السلطة والثروة من غرب الكرة الأرضية لشرقها الأصفر في الصين..انتقام يدفع واشنطن لمعاقبة كل الحلفاء المؤكدين والمحتملين للصين..مرة بشعارات الديمقراطية في فنزويلا وأخرى بحقوق المسيحيين في نيجيريا التي تُعد من أكبر حلفاء الصين في إفريقيا..حيث تنشط بكين في استخراج النفط، وتسعى لشراء ود نيجيريا بمشروع إقامة خط سكة حديد بقيمة 60 مليار $ يربط بين كانو وأبوجا ولاغوس وكانو وبرت هاركورت..
????لماذا تُعد المعركة حول فنزويلا هي الأهم في العالم اليوم؟..لأن فنزويلا أكبر من فنزويلا..هي قلب الحملة الأميركية لتأديب العصاة..هي ذروة سنام الصراع الكوكبي القادم بين واشنطن وبكين..وهي التجسد الأسوأ للمسعى الأميركي لجعل العالم كله نسخة من العالم العربي..حيث تُدفع الجزية بالتريليونات، وحيث يسلم 400 مليون رقابهم مجانًا للولايات المتحدة..وحيث تصاغ التنمية بشروط أميركية..الكثير من المهرجانات والرقص، الكثير من الاحتفالات والدجل، الكثير من الاستهلاك دون قيمة مضافة، والكثير من خدمات الترفيه عن المواطن الغربي في بلاد يحتفظ فيها بصورة المستشرق الأول عن الصحراء والجمال والراقصة الأفعوانية..والكثير من القروض المصممة لاستنزاف الثروات المحلية..ولا شك..الكثير من الضغوط لمحو دور الدولة العربية من حياة الأفراد إلا في جوانب الأمن ثقيل الوطأة..حتى إذا فكرّت يومًا في الصعود، تجد المواطن نفسه خصمها الأول بعد ما أصابه من جوع ومرض وفقر..جربّت أميركا الخلطة ونجحت..ونأمل أن تنجو منها فنزويلا..لأن سقوطها إيذان بعالم شديد التوحش..توحش المحو الذي جربناه في القطاع، وتوحش النهب الاستعماري الذي سوف تثبته فنزويلا..وما بين الحالتين تبقى أميركا..أميركا وحدها..شيطان العالم الأول..ولا مجال..لا مجال لأي شرط موضعي للتنمية لا يتضمن مواجهتها..وغير ذلك محض أوهام.
⇧




























