اليوم الاخباري
  • اليوم الاخباري
  • اليوم الاخباري
  • اليوم الاخباري

رئيس مجلس الإدارة م. إبراهيم الصريدي

صاحب الامتياز د. محمد الصريدي

المدير العام أ محمود الكيلاني

الفنون

كيف جسد طارق لطفي شخصية المتطرف؟

اليوم الاخباري


أثار الفنان طارق لطفي، التساؤلات، منذ نشر بوستر الرسمي الأول لمسلسل "القاهرة كابول"، وبدأت التخمينات حول مدى اقتراب الشخصية المُجسدة من أسامة بن لادن مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة السابق، وهل هو يلعب شخصيته أم يجسد شخصية حياته، واستمر الجدل بعد عرض العمل ولكن بصورة أخرى عن مدى اتقان ودقة طارق في تجسيد الشخصية والأداء التمثيلي المميز لباقي الممثلين.

طارق لطفي المتطرف مرتين
عام 1994، وقف الشاب طارق لطفي أمام محمود مرسي وخيرية أحمد وعبدالمنعم مدبولي وغيرهم، في دور كتب تفاصيله الراحل وحيد حامد، وهو شاب فقير ابن حارس عقار يدخل الجامعة وهناك يرى الفارق الاجتماعي بينه وبين زملاءه وينحدر مساره مع الأفكار المتطرفة، وينضم لجماعة تقوم بأعمال إرهابية.

كان مصباح، (طارق لطفي)، فقيرا يبحث عن الطريق الذي يجعله متميز عما حوله، يحاول أن يجد له مخرجاً من الفقر ولكن لا يعرف، وعندما يلتقي بشباب من جماعة متطرفة ينضم لهم، ولكنه غير مثقف أو قاريء أو انضم عن اقتناع، وذلك ما حاول وحيد حامد وإسماعيل عبدالحافظ إبرازه في الشخصية حتى مقتله في النهاية، من خلال حواراته مع الأمير التي تمتليء بالخضوع والولاء، وانهزامه في نقاشاته مع زوجته مشيرة، (ليلى علوي)، وحججها المنطقية حول معتقداته وأفكاره وإيمانه بهذه الجماعة وما تفرضه عليهم.

لم يكن مصباح شخصا قوي الحُجة أو الرأي، يتراجع مع أول نقاش يكشف جهله وعواره الفكري، وسمعه وطاعته العمياء لأمير الجماعة، لم يجعله المؤلف في موقف قوة، حتى موته، كما بدت سماته الشكلية تشبه هذه المرحلة، هيئة المتطرف، ذو الجلباب القصير والمتقشف في ملبسه وأسلوب حياته.

أما في دوره بمسلسل القاهرة كابول 2021، نحن أمام متطرف ولكن من نوع آخر، ومن خلفية وتأسيس مختلف تماماً، رسم عبدالرحيم كمال شخصية (رمزي)، كما اتضحت الأحداث حتى الآن، أنه من أسرة متوسطة، تلقى تعليماً جيداً وتمتع بذكاء وموهبة في كتابة الشعر، وعندما أصبح الشيخ رمزي قائدا لإحدى الجماعات المتطرفة، فهو أنيق الملبس والهيئة ذو حضور طاغٍ ونظرات قوية.

شخصية رمزي تختلف كليا عن مصباح، هذه المرة هو القائد الذي تُسمع وتطاع أوامره، والعقل المدبر لعمليات إرهابية كبرى، حرص عبدالرحيم كمال على رسم تفاصيله بدقة، من خلال أسلوب حديثه ودفعه بالحجج وثباته في الحوار، فهو لم ينفعل أثناء نقاشه مع صديقه المخرج، أو صديقه الآخر الذي يعمل في جهاز الأمن، بل اتسم النقاش بالهدوء والتخويف المستتر وراء وجه حاد بعيداً عن الصراخ أو الانفعال المبالغ فيه.

وبرز ذلك في نهاية النقاش بين رمزي وعادل، عندما حاول الأول تهديد الثاني وكشف قوته له، فبدأ في الحديث عن أولاد عادل وزوجته وأدق التفاصيل عن حياتهما الشخصية، مما يبرز قوته ونفوذه على أرض الواقع رغم عدم تواجده في مصر، وهذه القوة تنبع من قوة الجماعة نفسها التي يقودها، فهم جماعة منظمة تتاجر في المخدرات والسلاح وتقبل النفقات من الدول الكبرى بناء على لعبة المصالح المتبادلة، بحسب ما أوضح السيناريو.

وحول الإعداد للشخصية، قال لطفي في حوار نشر قبل أيام لـ "الشروق"، إنه ترك لحيته أكثر من 12 شهرا حتى يبدو بهذا المظهر، كما أن الإعداد للأزياء الخاصة به تمت من خلال الاستعانة بسفارة مصر في أفغانستان لإرسال مرجعية للملابس المصممة لشخصيته، وكان ذلك على مستوى أشكال الحياة والبيوت والشوارع أيضا.

وحرص المخرج حسام علي، على خلق شعور بالندية بين الشيخ رمزي وعادل، من خلال تكوين المشهد الذي جمع بينهما خلال الحلقتين، فكان كلاهما على أطراف المشهد مقابلان لبعضهما البعض، بينما يتوسط الإعلامي والمخرج الجلسة بينهما، وعندما انقلب الحديث من الصداقة إلى العداء، وضع رمزي قدمه فوق الأخرى كتعبير عن القوة والثقة بالنفس، وهي جميعها صفات لم تكن موجودة في شخصية مصباح الشاب المهزوم نفسيا والمهزوز على المستوى الفكري.

قبل شروع الممثل بالشغل على الشخصية، عليه أن يدرك حاجة العمل الفني إلى الإقناع، الصدق فيما يؤدي، وتطوير وعي ذاتي خال من أفعال بلا مغزى، كما يجب أن يدرك التأثير الحيوي للصور المتعارضة وقوة العنصر الجسدي الذي يوصف الأفعال الداخلية للذهن والعواطف وأيضاً يتضمن الأفعال الجسمانية الخارجية حسبما جاء في كتاب "التمثيل السينمائي" لـ"ماري إلين أوبراين.

وعند ملاحظة أداء الفنان طارق لطفي على المستوى الجسدي، كما ذكرنا كانت تعبيراته تتغير وفق الموقف الذي يرويه الأصدقاء، بين ذكريات الطفولة والابتسامة الهادئة والغضب والمراوغة عند الدخول في مواجهة مع عادل، وكان هذا التحول في ملامح الوجه نابع عن تغيرات داخلية في مشاعر رمزي، بين الحنين للطفولة والحب والحبيبة وبين أفكاره الحالية وكونه مسئول عن جماعة يُنظر إليها أنها إرهابية.

يوضح الباحث سامي صلاح، في كتابه "الممثل والحرباء" أن أدوات الممثل ثلاث هي (الجسد، الصوت، وذات الممثل)، وتتطلب أساليب الأداء أن تتوافر مهارات مختلفة تكون في خدمة تلك الأدوات، وتحقيق مبدأ أن يكون الممثل نفسه أو بعبارة أخرى (مبدأ استخدام الذات) ليس بالسهولة بمكان، فهو يعني أن يكون مقبولاً لدى الجمهور، أو أن يكون لديه ما يسمى بـ"الحضور"، وهو نوع خاص من الجاذبية التي يتمتع بها الممثلون بدرجات مختلفة، ومن قدرات الممثل أن يستطيع استمالة زملائه، وجذب الجمهور إلى ما يفعله أو يحس به، فنجد أن هناك قدراً من الإقناع فيما يؤديه.

ويرى المؤلف أن ثمة قدرات أساسية مطلوب توافرها في الممثل، مثل القدرة على تحليل الشخصية، ظروفها، علاقاتها بالشخصيات الأخرى، تحليل البيئة التي خرجت منها الشخصية والتي تحيط بها، تحليل دوافع الشخصية والضغوط التي تمارس عليها والصراع الذي تشتبك فيه مع الأشخاص أو الأشياء أو الظروف، كذلك يجب أن تتوافر في الممثل القدرة على التفسير.

وبتطبيق ذلك على شخصيتي "مصباح" و"رمزي" سنجد أن كلاهما استطاع طارق لطفي أن يعبر عنهما بمستويات مختلفة، رغم أنه يؤدي دور متطرف في كلا العملين، ويرجع ذلك لدرجة رسم الشخصيات ذاتها من المؤلفين وقدرة المخرج على تجسيد ذلك من خلال صورة مرئية.

طارق لطفي المتطرف
  • iTradeAuto
  • iTradeAuto
  • iTradeAuto
  • iTradeAuto
  • iTradeAuto