عائشة راتب: الوزيرة التي لم يقبلها القضاء.. والسيسي حقق حلمها بعد 72 عاما


أعادت توجيهات الرئيس السيسي الصادرة أمس الأول، لوزير العدل المستشار عمر مروان بالتنسيق مع رئيس مجلس القضاء الأعلى ورئيس مجلس الدولة للاستعانة بالمرأة تفعيلاً للاستحقاق الدستوري، الأذهان للسيدة المصرية التي خاضت فى حياتها معارك شرسة لتمكين المرأة من الوظائف العامة لاسيما منصة القضاء.
عائشة راتب التي تبرز سيرتها فى الدفاع عن المرأة بشكل عام وفى الوصول لمنصة القضاء بشكل خاص، فهي أول معيدة بكلية الحقوق، وأول أستاذة للقانون الدولي، وأول سفيرة لمصر في الخارج، وأول امرأة تتولي وزارتين مختلفتين متعاقبتين، وكانت صاحبة أول حكم قضائي برفض تعيينها فى القضاء في حكم صدر عام 1952.
ولدت عائشة محمد سعاد راتب في منطقة الدرب الأحمر بالقاهرة عام 1928 لأسرة متعلمة متوسطة الحال، بدأ كفاحها بتمكين المرأة من الوظائف العامة لاسيما القضائية منها، عندما أقامت دعوى قضائية عام 1949 قالت فيها إنها حاصلة على درجة جيد جيدا وهي من درجات الامتياز التي تؤهلها لأية وظيفة قضائية، فأقدمت على التقديم فى وظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة، إلا أن قرار التعيين خلى من اسمها مطالبة الحكم بتعديل القرار بحيث يشملها التعيين مع حفظ حقها فى التعويض، وهي القضية التي قضت المحكمة برفضها.
وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها برئاسة السيد علي السيد بك وكيل المجلس، إنه على الرغم من أن المعينين 11 شخصا وهي كانت بحسب مجموع الدرجات الثامنة فى الترتيب، إلا إن قصر بعض الوظائف كوظائف مجلس الدولة أو النيابة أو القضاء على الرجال دون النساء لا يعدو هو الآخر أن يكون وزناً لمناسبات التعيين في هذه الوظائف تراعي فيه الإدارة بمقتضى سلطتها التقديرية شتى الاعتبارات ومن أحوال الوظيفة وملابساتها وظروف البيئة وأوضاع العرف والتقاليد.
وفي حوار لها مع صحيفة "المصري اليوم" عام 2008 قالت عائشة راتب إن رئيس مجلس الدولة الثاني المستشار عبدالرزاق السنهوري عقد لها مقابلة القبول في الإسكندرية وكانت على يقين من قبولها للعمل في مجلس الدولة، لكنها فوجئت برفضها وتعيين أقرانها لاحقا.
ولم تتوقف معارك عائشة راتب لتمكين المرأة من الوظائف القضائية عند ذلك الحد، إذ تقدمت بعد عام واحد من اقامتها دعوى التعيين، وتحديدا في 5 أبريل 1950، بمذكرة لما كان يسمى آنذاك بإدارة قضايا الحكومة (هيئة قضايا الدولة حاليًا)، مطالبة بتعيينها محامية بالإدارة، إلا أن الرد جاء بالرفض في غضون أيام.
وأوضح خطاب سكرتير عام إدارة قضايا الحكومة بأن طلب عائشة أحيل إلى النيابة الحسبية طوعا لأمر مدير الإدارة ونزولا على إرادة وزير العدل. وفي جلسة 22 ديسمبر 1953، بعد ثلاث سنوات، حكم المستشار عبد الرزاق أحمد السنهوري برفض الطعن، قائلا إن الوقت لم يحن لتتولى عائشة منصبا في إدارة القضايا أو في النيابة العامة، ولم يثبت للمحكمة أن هذا التقدير قد شابه تعسف أو انحراف.
وشهدت حياة عائشة فصولا متعاقبة في القانون والحركة النسائية في العالم العربي، حيث جاهدت من أجل تغيير قانون الأحوال الشخصية، كما أرست قواعد تشريعية لوزارة الشؤون الاجتماعية، وكانت عضوة في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي العربي عام 1971 حيث ساعدت في صياغة الدستور الجديد لمصر آنذاك، وكانت الوحيدة التي اعترضت على السلطات الاستثنائية التي منحها الدستور للرئيس السادات فى ذلك الوقت.
وشغلت عائشة منصب وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية في الفترة من 1974 وحتى 1977، وتعتبر ثاني امرأة تشغل منصب وزير فى تاريخ مصر الحديث، حيث استغلت عائشة منصبها ووضعت قيودا على مسألة تعدد الزوجات والتأكيد على قانونية الطلاق فقط إذا شهد عليه قاضي، وعملت على مساعدة الفقراء، فضلا عن وضع قانونًا لتعيين المعاقين.
واشتهرت عائشة بمعارضة الرئيس السادات؛ بعدما تقدمت باستقالتها عام 1977 أثناء ما عُرف فى ذلك الوقت بثورة الخبز والتي جاءت احتجاجًا على رفع الحكومة الدعم عن السلع الأساسية وهو ما أثار استياء وغضب المواطنين.
وعن معارضتها لتوسيع صلاحيات الرئيس السادات بالدستور، قالت عائشة في حوار مع وكالة الصحافة العربية في 2003، إن السادات اختارها عضوة بلجنة 100 لانتخابات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي، بعد ذلك رشحتها للجنة لحضور المؤتمر القومي رفقة الاعلامي المعروف أحمد فراج، مشيرة إلى أنها قبل ذهابها للمؤتمر أخبرت الراحل محمد عبدالسلام الزيات أمين الاتحاد الاشتراكي آنذاك، أنها تتحفظ على توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية، خاصة فيما يتعلق بالقبض على الأفراد.
وتابعت عائشة فى حوارها الصحفي، أن الزيات يبدو أنه أخبر الرئيس السادات بمعارضتي توسيع صلاحياته، مشيرة إلى أنها ناقشت الرئيس فى المؤتمر لمدة 3 ساعات كاملة وعارضته علانية في توسيع سلطات رئيس الجمهورية وتحدثت عن مزيد من الحريات ودخول عصر الديمقراطية، مؤكد أن ذلك مثبت في محاضر الجلسة الرسمية.
ولفتت عائشة أن السادات كان -سعيدا جدا - بما قالته لدرجة أنه قال لها: " دي بتناقش اختصاصاتي أنا ولم يفعلها أحد من الرجال الموجودين"، منوهة أن السادات أخبرها أنه اختارها وزيرة لأنه كان يعلم أنها صريحة وتقول الحقيقة حتى إذا تعارضت معه.
وعن استقالتها من الوزارة، قالت عائشة إنها جاءت احتجاجًا على سياسة الدولة وليس رئيس الجمهورية، موضحة أنها قالت للسادات فى وجهة إن المظاهرات والاحداث ليست انتفاضة حرامية إنما هي مظاهرات شعبية حقيقية تعبر عن هموم ومعاناة الناس.
ورغم مواقف عائشة مع السادات، إلا أنه عينها بموجب قرار صدر بعد استقالتها من الوزارة وتحديدا فى 1979 بتعيينها سفيرة؛ لتصبح بذلك أول امرأة فى تاريخ مصر تشغل هذا المنصب الرفيع، حيث عملت سفيرة لدى الدنمارك في الفترة من 1979 إلى 1981، ولدى جمهورية ألمانيا الفيدرالية من 1981 إلى 1984.
وفي فترة حكم مبارك انتقدت راتب الرئيس المصري المعزول، قائلة إنها أحست بأن فترة حكمه خلقت فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء.
وتوفيت بعد رحلة حافلة في الجيزة عام 2013 إثر أزمة قلبية مفاجئة.